الإصرار سر الانتصار!!

عندما كنت أشاهد مباراة منتخبنا الوطني أمام المنتخب الياباني في نهائي «كأس آسيا» التي أقيمت بملعب محمد بن زايد بالإمارات الجمعة الماضية، دارت في ذهني قصة سيدنا يوسف، حينما أراد إخوته أن يقتلوه (فلم يمت)، ثم أرادوا أن يمحى أثره (فارتفع شأنه)، ثم (أصبح ملكاً)، ثم أرادوا أن يمحوا محبته من قلب أبيه (فازدادت)! على النهج والمنوال ذاته سارت دول الحصار، التي أرادت أن تخنق قطر بحصارها الجائر، ولم تدرك أنها يمكن أن تستفيد منه، وتحقق العديد من الإنجازات التي من ضمنها لقب كأس آسيا.. نعم غاب المشجعون القطريون عن مدرجات الملعب الإماراتي، في ظل حرمان منتخبنا الوطني من تشجيع جمهوره، بسبب الحظر الذي تفرضه دولة الإمارات على دخول المواطنين القطريين إليها، وواجه لاعبو منتخبنا أجواء صعبة وسيلاً من الشتائم النابية، وأُلقيت عليهم الأحذية وقارورات المياه في مباراة الإمارات، ولكن ذلك لم يضعف عزيمتهم وإصرارهم على الفوز، بل كان دافعاً للتفوق والانتصار على الفريق الإماراتي في عقر داره برباعية نظيفة أثلجت صدور القطريين مواطنين ومقيمين. والانتصارات التي حققها منتخبنا على منتخبي السعودية والإمارات في بطولة كأس آسيا، تؤكد صبر دولة قطر على دول الحصار، ومثابرتها للتفوق في شتى الميادين سياسياً ودبلوماسياً ورياضياً وإنسانياً وحتى أخلاقياً، والتتويج بكأس البطولة أمام المنتخب الياباني العريق صاحب الأربعة بطولات آسيوية، يشير إلى أن قطر حوصرت فحولت الحصار الذي حاولت أن تفرضه عليها دول الحصار، بما فيهم الدولة المستضيفة للبطولة إلى فرص عديدة وانتصارات، فقد حُرم المنتخب القطري من الجمهور، فنجح بفضل الروح القتالية وحب الوطن في تحقيق النصر تلو النصر عن جدارة ومهارة واستحقاق، وهو يتقدم اليوم على كل منتخبات دول آسيا، بما يعني أن الجهود التي تبذل في الاهتمام بالرياضة والاستعدادات لمونديال 2022، بدأت تؤتي ثمارها، خصوصاً أن لاعبي المنتخب من خريجي أكاديمية التفوق الرياضي «أسباير». ومظاهر الاحتفال بالتتويج التي عمت كل مكان، وكانت حاضرة في الكورنيش وفي كل بيت قطري، ليست مجرد فرحة عادية لكأس في كرة القدم، إنها فرحة لتأكيد الولاء والانتماء للوطن، وتكريس الهوية، وتجديد البيعة للقيادة الرشيدة، وحتى يكون يوم الانتصار والتتويج يوماً تاريخياً فعلاً يجب أن نرد فيه الوفاء لأهل الوفاء والعطاء، وذلك لن يتحقق إلا بالعمل الجاد، وتحمل المسؤولية، والابتعاد عن الاتكالية، وشحذ الهمم، وتضافر الجهود، في شتى مناحي الحياة، واستغلال الموارد على الوجه الأمثل، لنبني قطر المستقبل بصورتها التي في مخيلة كل منا، فلنشمر عن السواعد من أجل قطر التي نريد، فـ «قطر تستحق الأفضل من أبنائها». وفي اعتقادي أن بإمكان كل شخص أن يخلص من موقعه لهذا الوطن العظيم، ويساهم في رفع شأنه، فالوطن ليس مجرد تراب أو أشجار، أو جبال، أو أنهار أو بحار، أو شمس أو هواء، الوطن بأبنائه الشرفاء المخلصين المؤمنين، بقوانينه وباحترام أنظمته، والدفاع والتضحية من أجله، فالوطن يعلو ولا يُعلى عليه، حتى المقيمين على أرض هذا الوطن الغالي بإمكانهم أن يعبّروا عن حبهم لهذا الوطن، ليس برفع الأعلام والاحتفال في الكورنيش فحسب، وإنما بإخلاصهم في العمل، فالانتماء للأوطان يكون بالبذل والجهد والتضحيات، والعمل على المشاركة الإيجابية في مسيرة الحياة، وتكريس الجهود للعمل المثمر للهدف، وتقوية الأواصر.