في خطبة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب: الإسلام دين يحترم الإنسان وآدميته بغض النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه

alsharq
محليات 19 مارس 2021 , 07:28م
الدوحة - العرب

أكد الشيخ الدكتور محمد حسن المريخي إن الإسلام دين يحترم الإنسان وآدميته بغض النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه حتى معتقده، ومن تأكيد الإسلام على قيمه الإنسانية في أسمى معانيها دعا إلى التعارف والتكاتف والتآلف لما في ذلك من تقوية الأمة وحمايتها وحراستها من رياح التضعيف والتخريب، والتعارف فيما بين الناس تقوم عليه الدول وتتقوى به الأمم وتنعم به الشعوب والقبائل ويتآلف الناس فيما بينهم.

وقال الشيخ الدكتور محمد حسن المريخي في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب: أيها الناس اتقوا الله ربكم الذي خلقكم، اتقوا الله تعالى الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف، اتقوا الله تعالى الذي يقول: "ومن يبدل نعمه الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب"، أيها المسلمون لقد جاء ديننا الإسلام بأنبل القيم وأفضل وأكرم الأخلاق وأجمل الصفات وأرفع الخلال، فالإسلام دين الرحمة ودين المودة، دين يجمع ولا يفرق ويوحد ولا يشتت ويقوي ولا يضعف ويبني ولا يهدم، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يرسخ لعظيم القيم الإنسانية وكريم المبادئ الأخلاقية ويأخذ بيد الأمة إلى المثل العليا والقيم الفضلى، فكان في خطبته أعظم الدروس التي تعد منهج حياة "يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت قالوا نعم، قال اللهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" رواه البخاري.

وبين الخطيب أن الإسلام دين يحترم الإنسان وآدميته بغض النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه حتى معتقده، ومن تأكيد الإسلام على قيمه الإنسانية في أسمى معانيها دعا إلى التعارف والتكاتف والتآلف لما في ذلك من تقوية الآمة وحمايتها وحراستها من رياح التضعيف والتخريب، يقول الله عز وجل: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير".

وأوضح الشيخ محمد حسن المريخي: لأجل هذا خلق الله تعالى عباده بعد عبادته، خلقهم ليتعارفوا ويتراحموا ويتعاطفوا فإذا فعلوا ذلك شعروا بالمسؤولية فقاموا بالواجب نحو ربهم وأمتهم ودينهم ونحو بعضهم البعض، ونحو مجتمعاتهم وبلدانهم لأن التعارف بين الناس تقارب بين النفوس والقبائل والشعوب، وفي التعارف عباد الله مودة ورحمة بما يكون من التعاون والتعاضد والأخوة والشعور بالمسؤولية، وكذلك لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً بنى المسجد ثم آخى بين المهاجرين والأنصار فكانت أخوتهم مضرب الأمثال في دنيا البشرية وكانوا حماةً وحراساً أوفياء لدينهم ودولتهم وقائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الأنصاري يدعو أخاه المهاجر إلى متاعه وبيته وشأنه ويبذل له كل ما في وسعه، ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا التعارف والتقارب فعندما قال له أحد الصحابة يا رسول الله إني أحب فلاناً، قال له: هل أخبرته؟ قال لا، قال: اذهب وأخبره أنك تحبه.

وأردف أيها المسلمون: التعارف فيما بين الناس تقوم عليه الدول وتقوى أو تتقوى به الأمم وتنعم به الشعوب والقبائل ويتآلف الناس، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" رواه البخاري ومسلم، إذا تعارف الناس تراحموا وتعاطفوا وتوادوا، وعندما يتعارف الناس تبدأ بينهم الدعوات واللقاءات وتشتاق النفوس للأحبة وللأصدقاء والخلان ويكون التعاون بينهم أعلى المستويات وأوسع المشاريع، وإن المجتمعات القوية البنيان والبلدان الثابتة والأمة المستقرة لتقوم قياماً كبيراً على تعارف أهلها وتكاتفهم ويكون بناؤها وحفظها وحراستها معتمدا بعد الله تعالى على هذا التعاون بين أفرادها وتكاتفهم، ألا وإن هذه الأزمنة التي نعيشها وما يقع فيها من فتن ومحن ومشكلات وأزمات ومكيدات وخداع لتحتاج بعد الله تعالى إلى هذه النعمة، نعمة التعاضد والتكاتف بعد التعارف، وإن التفرق والتشتت والجري وراء الدعوات العُمّية والرغبات الإبليسية لتكدر صفو الناس وتعكر حياتهم وتكدر دنياهم وتحزن حياتهم.

وأكد الخطيب أن من أشد وأكبر ما يصدع بنيان التعارف ويهدم التكاتف والتآلف ويصدع ويفسد هذه النعمة العنصريات والتعصب والجاهليات المقيتة، وفي حجة الوداع قال صلى الله عليه وسلم في خطبته: " ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي ومن ذلك العنصرية، فقد قرر صلى الله عليه وسلم مبدأ المساواة بين البشر ونبذ العنصرية، فأسمع صوته للغني والفقير والأبيض والأسود والشريف والوضيع  والكبير والصغير فقال: "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى"، وقال: "كلكم لآدم وآدم من تراب"، فأعاد صلى الله صلى الله عليه وسلم ضبط من فرط من عقد التعقل بسبب الجهل والعصبية واتباع الهوى خصوصاً في مجال الاحترام والتقدير للناس ووضعهم في مواضيعهم الحقيقية بلا إفراط ولا تفريط، وقد أعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانة الوحدة والتماسك والترابط، فقال إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا، وقد رضي منكم بمحقرات الأعمال فاحذروه في دينكم، وفي هذا الحديث إشارة إلى أهمية الوحدة والتماسك بين جميع أفراد الأمة، فليست ثم قضية أُجمع عليها قديماً وحديثاً مثل ما جُمع على قضية خطورة التفرق، وأن الوحدة قوة تتضاءل إلى جانبها كل القوى المتفرقة وأن التفرق ضعف لا يضاهيه ضعف، فالاتحاد بعد التعارف والتعاون يصنع التقدم والنجاح وينهض بالأمم والحضارات، إن الله تعالى قالك "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" ليعرف بعضكم بعضاً، يقدره ويحترمه، ولم يقل لتنازعوا ولا ليبغي أحد على أحد ولا أن يفخر أحد على أحد، يقول رسول الل صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي احد على أحد ولا يفخر أحد على أحد"، والتعصب يا عباد الله مذموم كله ولم يذكر في كتاب الله وسنة رسول الله إلا على وجه الذم وأنه ضرب من الطبائع الجاهلية التي لا تتصل مع مكارم الإسلام ومصالحه، وإن المرء العاقل يا عباد الله ليدرك أن التعصب ضرب من الكبر والاستعلاء وادعاء الكمال، والحقيقة  أن للمتعصب عورات وللناس ألسن، وأشد التعصب ذماً ما كان للنسب والحسب والتفاخر بالأحساب، وهي دعوة جاهلية ولا ريب فيها، يقول صلى الله عليه وسلم: " أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركوهن أو قال لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة، وهذا الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب من أكبر مفسدات التعارف الذي دعا إليه الله عز وجل، فإن التعصب يا عباد الله طاقة مهدرة وجهد مبذول في غاية غير حميدة، وهو لوثة عقلية تنسج خيوطاً من الأوهام والتردي، ولقد اتفق أهل الإسلام على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الخلق نسباً وديناً ورسالةً وأعظمهم جاهاً عند الله عز وجل، فلم يتعصب صلى الله عليه وسلم لذلك ولم يبغي به على أحد، وهو القائل أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، لواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر، فلنتقي الله وليعرف العبد مقامه، "إن أكرمكم عند الله أاتقاكم".

 فاتقوا الله يا عباد الله والتفتوا إلى ما أمركم الله تعالى به وهو القيام بدينه والعمل بهذا الدين في هذه الدنيا، واغتنام الأوقات ليفوز المرء.

وأضاف الخطيب: والأمة قد اتفقت من محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر الناس وإلى يوم القيام بأنه صلى الله عليه وسلم أرفع الناس نسباً، وقد تكلم في هذا فقال أنا سيد ولد آدم ولا فخر وقال أنا سيد الناس، وقال في رواية للبيهقي أنا سيد العالمين عليه الصلاة والسلام، ولم يثبت عنه ولم يرد عنه ما يخالف ذلك حاشاه صلى الله عليه وسلم، وهو الذي استدعى عمه العباس وعمته صفية وابنته فاطمة ووجه الكلام إلى كل واحد منهم، يا عباس لا تقل إني عم رسول الله، اعمل العمل فإن رسول الله لا يغني عنك من الله شيئا، يا صفية لا تقولي إني عمة رسول الله اعملي فإن رسول الله لا يغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة اعملي لا تقولي إني ابنة رسول الله اعملي فإن أباك لا يغني عنك من الله شيئا.

ولفت الشيخ المريخي أن النسب يا عباد الله هذا شأنه سبحانه وتعالى أن الله تعالى يجعلك في الفلانيين أو في الشرقيين أو في الغربيين أو هنا أو هناك، أو من الأم الفلانية أو من الأب الفلاني أو من القبيلة الفلانية أو من الشعب الفلاني أو من الشعوب الأخرى، هذا شأن الله وحده لا شريك له، ولدت فوجدت نفسك ابن فلانة أو ابن فلان فلا يحق لك أن تفخر بهذا فإنك لا تملكه ولا تتصرف فيه ولا يمكن لك أن تغادره حتى تلقى الله تعالى.

ونوه بأن الإنسان يبقى على نسبه على الرحب والسعة، ولكن لا يفخر على الناس ولا يطعن في الناس، فإن النسب يا عباد الله، فان قلة النسب كما يقول الناس وكما يرى الناس فإن قلة نسب لن تؤخر بلال بن رباح ولا صهيب الرومي ولا سلمان الفارسي لم يؤخرهم عن الجنة بعد أن عملوا وبعد أن رحمهم الله تعالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم لبلال إني أسمع ضرب نعليك في الجنة فما هو أرجى ايه عمل عملته؟  قال يا رسول الله والله ما زدت علي أني لم أتوضأ وضوءاً إلا وصليت ما كتب الله لي أو كما قال رضي الله عنه، لم تؤخر هؤلاء الفقراء عن دخول جنات النعيم، بينما النسب الرفيع لم ينفع أبا طالب ولا أبا لهب ولا أبا جهل من الدخول في النار، يقول صلى الله عليه وسلم: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" إذا تأخرت في العمل عياذاً بالله، وأخرك عملك بين يدي الله تعالى، لم يقدمك نسبك ولو كنت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحث الشيخ محمد حسن المريخي المسلمين قائلاً: يا عباد الله علينا أن نغتنم أيام العمر وأيام الحياة، لنعمل في دنيانا ابتغاء مرضاة الله وما ينفعنا في أخرانا، ونحن يا عباد الله في هذا الشهر المبارك شهر شعبان الذي يسبق شهر رمضان المبارك فلننشغل عباد الله بطاعته ولنستغل هذه الأوقات المباركة على دين ربنا كما أمرنا ونعمل بدين ربنا بكتاب ربنا ونستعد لدخول شهر رمضان مصلين قائمين تالين لكتاب ربنا صائمين ولنترك عنا دعوى الجاهلية التي أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بنبذها.