الشيخ عبدالله محمد النعمة في جامع الشيوخ: من عرف قلبه عرف ربه

alsharq
محليات 21 يناير 2022 , 04:57م
الدوحة - العرب

 

قال فضيلة الشيخ عبدالله النعمة في خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الشيوخ: نقف في هذا الخطبة مع النفس، بل مع أعز شيء في النفس، مع ما بصلاحه صلاح العبد كله، وما بفساده فساد الحال كله، جاء في الحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" بل ربط استقامة الإيمان باستقامته، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه" أخرجه أحمد، ويقول الحسن رحمه الله: داو قلبك، فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم".

وأضاف الخطيب: أيها المسلمون .. من عرف قلبه عرف ربه، وكم جاهل بقلبه ونفسه، والله يحول بين المرء وقلبه، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "هلك من لم يكن له قلب يعرف المعروف وينكر المنكر"، فالقلب كثير التقلب والآفات، فما سمي قلبا إلا لكثرة تقلبه، ومن أعظم ما يصاب به القلب هو آفة ومرض الزيغ الذي يعني الميل والنحراف عن الحق والشك فيه بعد الثبات واليقين.

إنه داء عظيم ووبال كيبر، إذ به يرتكس القلب ويحور بعد كوره، وتتغير المفاهيم وتتبدل ويضعف الإيمان وتزل الأقدام بعد ثبوتها وينقض الغزل من بعد القوة أنكاثا، هذا وإن لداء الزيغ أعراضا وعلامات يجمل العلم بها لتجنب حال السلامة، ويعالج القلب حال وجودها فمن تلك العلامات: اتباع المتشابه من نصوص الوحي، وترك الواضح منها، قال سبحانه: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة"، ومن علامات زيغ القلب، الشك في ثوابت الدين ومحكماته، كمن يشك في فرضية الصلاة أو تحريم الخمر، وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: "فأما الذين في قلوبهم زيغ" بأنهم أهل الشك، ومن علامات الزيغ: تبدل الآراء الشرعية واتباع هوى النفس في الفتوى، يقول حذيفة رضي الله عنه: "من أحب منكم يعلم أصابته الفتنة أم لا، فلينظر فإن كان يرى حراما ما كان يراه حلالا، أو يرى حلالا ما كان يراه حراما فقد أصابته الفتنة" رواه الحاكم.

وأكد الشيخ عبدالله النعمة أن لزيغ القلوب أسبابا تدعو إليه: "فما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين"، ومن أهم أسباب الزيغ الانهماك في الدنيا والافتتان بها ونسيان الآخرة كما قال تعالى: "ولتصغى غليه أفئدة الذي لا يؤمنون بالآخرة"، قال ابن عباس في تفسيرها أي لتزيغ إليه قلوبهم، ومن أسباب زيغ القلوب الاسترسال مع وساوس الشيطان وعدم قطعها وهذا باب عظيم ابتلي به بعض الناس ويدفع بالتقوى وذكر الله، إذ من علامات القلب اليقظ سرعة تبصره عند وقوع الزيغ كما قال سبحانه: "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف "أي زيغ" من الشيطان تذكروا فغذا هم مبصرون" أي يعرفون أنهم في غي وزيغ وبعد، وحينئذ يستغفرون ويتوبون ويرجعون .

وأردف: ومن أسباب زيغ القلب مصاحبة الزائغين من المبتدعة والمفتونين، والاستئناس بهم ومشاركتهم في برامجهم وقراءة كتبهم والاطلاع على أقوالهم قال عمرو بن قيس: "لا تجالس صاحب زيغ فيزيغ قلبك" ومنها ترك سنة النبي صلى الله عليه وسم قال تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة" قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "وإني لاخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ".

وذكر الشيخ عبدالله النعمة أنه بتجنب أسباب المرض يحصل الوقاية بأمر الله، والأدواء تعالج بأضدادها، وإن ثمة أموراً تقي القلب من داء الزيغ وجماعها في العلم الشرعي وأهله الراسخين الذين من أبرز صفاتهم رد المتشابه إلى المحكم الواضح، واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والخشية من الله والاستعداد للآخرة، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير" فهي سلمية نقية خالية من الذنب سالمة من العيب يحرصون على النصح والإخلاص والإحسان، وأوقفهم القرآن فوقفوا واستبانت لهم السنة والتزموا  "يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم غلى ربهم راجعون" ولزوم عتبة الدعاء ألا يزيغ الله قلوبهم فكان شعارهم: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا" وأسماعهم يطرقها بنبرات صوت النبي صلى الله عليه وسلم في خلوته وجلوته، وقيامه وقعوده في حرص دائم ودعاء دائب: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك،  فتقدم إليه أم سلمة رضي الله عنها قائلة: ما أكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقال: "يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ" أخرجه الترمذي.