الزكاة ركن يهتز

المال الذي باعتدال توزيعه في صورة شديدة الإنصاف يعني أننا سنكسب مجتمعًا سليمًا ومتعافيًا أخلاقيًا وسلوكيًا، وفي عدم توزيع الثروة بشكل عادل ما الذي تجنيه المجتمعات؟ غير تفشّي السرقات وانحطاط السلوك البشري وظهور مظاهر في الحياة العامة بغاية البشاعة، حتى وإن ضبط رجال الشرطة بعضها فلن يكون بمقدورهم ضبط كافة الانحرافات في السلوك العام وستعجز السجون والمصحّات عن إعادة بوصلة المجتمع. إن في أوساطنا الاجتماعية المحلية نشهد جميعًا شرخًا ضرب الطبقة المتوسطة وتمظهر هذا الشرخ في ضعف القوة الشرائية لتلك الطبقة التي انحدرت ماديًا واقتربت إلى أن تكون من الطبقة الفقيرة والإشكالية أنه جراء المصاعب الاقتصادية يزداد شعور هؤلاء الناس بالغربة الطبقية ويرتفع إحساسهم بالحرمان في حال رؤيتهم لمظاهر البذخ والإسراف في الأعراس والمناسبات المليئة بالتكلّف من قبل طبقة ثرية تتفنن في إظهار ترفها، لذا الإسلام قد أتى بشرائعه لم تنحاز لطبقة ضد طبقة و»فريضة الزكاة» هي أهم دليل بيّن لهذا، فأموال الزكاة السنوية التي تضمّد جراح الفقراء وتقيهم من شظف العيش وتعزز جسارة الأسر المُرهقة في مجابهة حربهم مع الأيام، أمّا الغني الذي وإن كسب ثراءً مشروعًا عبر جهد وكدح إلا أن عليه واجبات دينية واجتماعية لا تعكر أبدًا من صفو استمتاعه بما أحله الله له من ثراء. إن الزكاة ليست نافلةً بل فرض على كل مسلم ميسور، ولا من المستحبات إلا أنه للأسف في الذهنية العامة لدى المسلمين بهذا العصر بات موضوع الزكاة من غير الأولويات في حياتنا رغم ما فيها من نفع هائل للإنسان والمجتمع، فدول المسلمين الحالية في شكلها الحالي أعرضت عن الزكاة للأسف ومنها من هو أقل سوءا، أي من نادى بصورة خجولة وحث بصوت ونبرة غير جادة حول وجوب الزكاة، والدليل على عدم الجدّية هو عدم إلزام الشركات المُدرجة في أسواق الأسهم ورجال الأعمال الأثرياء والشركات بوجوب إخراج الزكاة، فإن الركن الثاني من أركان الإسلام مع شديد الأسف أراه اليوم ركنًا يكاد يهوي ونهوي معه، يقول الله عز وجل في الذكر الحكيم: {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} هذه الآية التي تشير بوضوح لكسر احتكار «سلطة المال» ووجوب أن يلمس الخير جميع عباده، إن هذا هو «المنهج السليم» إنسانيًا وأخلاقيًا وعلى عاتقنا مسؤولية ربّانية تلزمنا بالمثول له، وقد أتى الإسلام بتشريعات جليلة مؤكدةً على العدالة والإنصاف.